ثورات الربيع العربى وتوظيفها فى ٳعاده بناء الٳنسان والأقطار العربيه بقلم د. رانيا الوردي



ثورات الربيع العربى وتوظيفها فى ٳعاده بناء الٳنسان والأقطار العربيه بالتوضيح على القصائد الشعريه للكاتب النمساوى السياسى الثائر يورا صويفر[1]

( المقال مقدمة لبحث عن الشاعر يورا صويفر)
  د.  رانيا الوردى 




 إندلعت فى منطقة الشرق الأوسط الثورات، معلنه فى ذلك ميلاد شرق أوسط جديد. قاد هذه الثورات ضد الأنظمه الديكتاتوريه المتسلطه الشباب. هذه الثورات التى قادها الشباب، تعبر يوضوح عن غضب الشباب. هذا الغضب أثاره جيل الآباء، الذى قاد الشعوب العربيه بمختلف فئاتها إلى الفقر والجوع والبطاله. ولم يجد الشباب غير سبيل المقاومه التى بعثت فيه الأمل فى تغيير الواقع إلى غد أفضل. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل كانت ثورات الربيع العربى بحق مؤامره ، تعاون فيها الشباب بقصد أو بدون قصد ضد أوطانهم، ام كانت يحق لحظات فارقه فى تاريخ الشعوب العربيه، عبر من خلالها الشباب عن رغبتهم الصادقه فى ميلاد العالم الجديد فى أوطانهم. هذا السؤال الجدلى السالف الذكر يقودنا جميعا ٳلى سؤال جدلى آخر: هل ٳستطاع الشباب والكبار، الذين خرجوا يدا بيد مع الشباب ليؤازروهم فى كفاحهم من أجل ميلاد العالم الجديد، أن يقدموا على المدى الزمنى القصير والمتوسط  نماذج فكريه منبثقه من أرض الواقع، تمثل بدايه لثورات ثقافيه بل وتربويه، تسهم فى ٳعاده بناء المنظومه الفكريه للمجتمع على المدى الزمنى الطويل والمتوسط والقصير.، أم أن هذه الثورات ٳقتصرت فقط على التعبير عن مشاعر الغضب ويكتسب السؤال السالف ذكره أهميته، ٳذا وضعنا فى الاعتبار أن ثوره 1919، التى ٳندلعت فى الأراضى المصريه، قدمت رموز فكريه (الشيخ محمد عبده – رائد الاصلاح الدينى فى القرن التاسع عشر – قاسم أمين – من رواد الاصلاح الاجتماعى بل والتعليمى فى القرن التاسع عشر – سعد زغلول – من رواد الاصلاح السياسى فى القرن التاسع عشر) ٳستطاعت أن تسهم على المدى الزمنى المتوسط والطويل فى ٳعاده بناء المنظومه الفكريه للمجتمع آنذاك. وفى ذات الوقت فقد ٳستطاعت هذه الرموز الفكريه، التى ظهرت فى أعقاب ثوره 1919 أن توطد الحوار بين الثقافه الشرقيه والثقافه الغربيه، مما أسهم فى ٳثراء الحوار الثقافى، بل والحفاظ على الهويه العربيه والمصريه فى ذات الوقت، هذه الحقيقه، التى يمكن قرائتها من خلال ٳعاده قرائه التاريخ، تقودنا ٳلى تساؤل هام: هل حذى أبناء ثوره 25 يناير طريق أجدادهم، ليستعيدوا آمجادهم، ويكونوا بحق بناه المستقبل. سيظل هذا السؤال مفتوحا، ينتظر الاجابه من أبناء ثوره 25 يناير أنفسهم، بل وأيضا من تاريخ الحاضر، الذى سيصبح ماضى يتدارسه الأبناء، ليجيبوا بأنفسهم عن هذا السؤال.  
هذا الحدث التاريخى، الذى شهدته منطقه الشرق الأوسط لا يختلف كتيرا عن الحدث التاريخى الذى شهدته النمسا فى فتره ولايه الزعيم الديكتاتورى هتلر. هذا الحدث التاريخى صوره الكاتب النمساوى السياسى الساخر يورا صويفر فى أعماله الأدبيه ولا سيما الشعريه.[2] فى هذه القصائد الشعريه ظهرت المقاومه كوسيله فعاله للخروج من الأزمه، التى خلقها جيل الآباء بعقليته الديكتاتورية، المتسلطه، الشديده الماديه .  ولم تكن المقاومه من وجهه نظر الكاتب النمساوى – كما سيتضح من قرائه قصائده الشعريه - هى الوسيله الوحيده للخروج من هذة الأزمه. ولكن كانت هناك وسيله أخرى، كانت تتمثل فى التحرر من العقليه السالف ذكرها والتى سادت المدن الكبيره بفعل النظام الرأسمالى المتوحش، والتى فقد بسببها الإنسان إنسانيته. هذا التحرر من العقليه السالفه الذكر تتحقق – كما اوضحتها الأشعار للكاتب النمساوى يورا صويفر – من خلال ثوره الإنسان على نفسه. وتتضح هﺬه الثوره جليا فى قصيده الكاتب "أنشوده الٳنسان البسيط"
ربما كنا ذات يوم أناسا
أو سنكون ذات يوم كذلك،
عندما نبرأ  تماما من كل ذلك.
ولكن هل نحن اليوم أناسا؟ لا!

نحن إسم على جواز سفر،
نحن صورة صامتة على زجاج المرآة،
نحن صدى سيل من العبارات الجوفاء
وصدى لصدى ميت.

الإنسانية جمعاء سحقت منذ زمن بعيد،
ألم نكن فقط المظهر الخاوى!
نحن، فى مدننا البالغة الوحشية ،
أما زال يمكننا أن نطلق على أنفسنا أناسا؟ لا!

نحن غبار شوارع المدينة الكبيرة،
نحن أرقام فى ورقة السجل العقارى،
نحن طابور أمام مصلحة الأختام
وظلال أنفسنا جميعا.

أينبغى للإنسان داخلنا أن يتحرر ذات يوم،
هناك وسيلة واحدة فقط لذلك:
أن نتسائل فى كل ساعة: هل نحن أناس،
ونجيب على أنفسنا قى كل ساعة ب: لا!

نحن صورة لرسم تخطيطى قبيح
لإنسان، جاز أن يطلق عليه منذ عهد قريب ذلك.
مجرد بداية نغمة واهنة لأنشودة عظيمة.
أأنتم تطلقون علينا أناسا؟ تريثوا فى هذا الوصف![3]

هذه القصيده الشعريه للكاتب النمساوى الثائر توضح أن الثوره لديه لم تكن موجهه فقط ضد النظام الديكتاتورى الحاكم ولكن أيضا ضد العقليه الفكريه السائده فى هذه الحقبه التاريخيه، والتى شكلتها تطبيقات النظريه الرأسماليه بصورتها الفجه والتى تحول بسببها الإنسان إلى لا إنسان. هذه اللغه الثوريه المستخدمه فى هذه القصيده الشعريه، بما تتضمنه من  أساليب للسخريه والتهكم، كانت تمثل لدى الكاتب النمساوى الثائر وسيله لمقاومه هذه العقليه بغرض ميلاد الإنسان القادر على لعب دورا جوهريا فى ميلاد المجتمع الإنسانى.
هذه الثوره يفجرها داخل النفوس البشريه شعراء ثوريون متمكنون من اللغه الثوريه بما تتضمنه من وسائل للتهكم والسخريه ومتمكنون من توظيف هذه اللغه فى إحداث الثورات داخل النفوس البشريه ومن ثم إحداث الثورات الثقافيه التى تمهد الطريق لميلاد العالم الجديد على أيدى أشخاص جدد. هذا العالم الجديد، الذى يرتكز على الانسانيات – العمل والديمقراطيه  وهؤلاء الأشخاص الجدد، الذين يتمتعون بالقلب والعقل والأمل والعمل والوعى السياسى، هم نتاج الثوره الثقافيه، التى يلعب فيها المثقفون ومن بينهم الشعراء دورا جوهريا فى إحداثها.[4]
ولأن الإنسان عليه أن يتعلم من دروس التاريخ وممن سبقوه ولاسيما الذين مرت بلادهم بأحداث مشابه، فعلى الإنسان العربى أن يدرك جيدا الحقيقة التى أوردها الكاتب السياسى النمساوى فى أعماله الأدبيه ولا سيما القصائد الشعريه. هذه الحقيقه مؤداها أن تغيير الواقع إلى الغد الأفضل لن يتحقق فقط بمقاومه السلطة الديكتاتورية المتسلطه الشديده المادية ، ولكن أيضا بتحرر الإنسان المعاصر من العقلية السالف ذكرها. هذا التحرر يتحقق من خلال ثوره ثقافيه، تحرر الآباء من براثن هذه العقايه، وأخرى تربويه، تحمى الآبناء من الوقوع فى براثن هذه العقليه.
إدراك الإنسان العربى لهذه الحقيقه يجعله يتبنى مبدأ المقاومه السلميه ضد السلطة الديكتاتوريه ويتخذ من تربيه النفس وتربية النشئ وسيله أخرى لمقاومه هذة العقليه. هذه الحقيقه تقودنا إلى الهدف من إصدار هذه الترجمه. ويتمثل هذا الهدف فى توضيح كيف يمكن للشعر والشعراء أن يكونوا باعثا لثوره ثقافيه وتربويه، تلعب على المدى الزمنى المتوسط والطويل دورا هاما فى إعاده بناء المنظومه الفكريه للمجتمع، ومن ثم إعاده بناء المجتمع بطريقه تدريجيه وسلميه.[5]









[1] الكاتب السياسى الساخر يورا صويفر هو الكاتب اﻟﺫى مات فى معتقلات هتلر وعمره لا يتجاوز 26 عاما ولكنه ترك تراثا أدبيا يوضح كيفيه التحول السلمى للدوله المدنيه الحديثه
أنظر ترجمه الموقع الرسمى على الانترنت للجمعيه العلميه للكاتب النمساوى يورا صويفر بفيينا الى اللغه العربيه
http://www.soyfer.at/ar/
[2] لمزيد من المعلومات عن الكاتب وتوظيف أفكاره فى مصر والدول العربيه
أنظر
Elwardy, Rania: Jura Soyfer in Ӓgypten – Ein Hoffnungsschimmer im dunklen Zeitalter am Bespiel von Soyfers Theaterstück "Der Lechner Edi schaut ins Paradies". Ein von Jura Soyfer Gesellschaft vom 3. bis 6. Dezember 2012 in Wien veranstaltetes Symposium unter dem Ehrenschutz vom Bundespräsidenten Dr. Heins Fischer zur Feier des 100. Geburtstages von Jura Soyfer. In: Arlt, Herbert u. Krones, Hartmut (Hg.): Jura Soyfer – neue Ӧffentlichkeiten. Trans Studien, Bd. 5, INST Verlag, Wien.
الترجمه
الوردى، رانيا: يورا صويفر فى مصر – بريق أمل فى عصر مظلم بالتوضيح على مسرحيه "إدى ينظر إلى الجنه" . ضمن أبحاث المؤتمر الدولى الذى عقدته الجمعيه العلميه للكاتب يورا صويفر فى الفتره من 3 الى 6 ديسمبر 2012 فى فيينا تحت رعايه رئيس جمهوريه النمسا الدكتور هينس فيشر بمناسبه الاحتفال بمرور 100 عام على ميلاد الكاتب النمساوى يورا صويفر. ونشرت أبحاث المؤتمر فى: هربرت أرلت وهارتموت كرونس (المحررون): يورا صويفر – علانيات جديده. دراسات  ترانس. المجلد الخامس، دار نشر انست فيينا.


[3] (قصيده شعريه للكاتب النمساوى يورا صويفر. قامت بترجمتها للغه العربيه د. رانيا الوردى. أنظر:
الوردى، رانيا: ترجمه مختارات شعريه من القصائد الشعريه للكاتب النمساوى السياسى الساخر يورا صويفر. كتاب ملف. رقم الايداع 9 24 812988 3 879، دار نشر انست، فيينا 2016. موقع الكتاب على النت:
http://www.inst.at/at/reihe-jura-soyfer-i/)
[4] لمزيد حول دور المثقفين ولاسيما الشعراء فى الأعمال الأدبيه لصويفر لميلاد العالم الجديد أنظر
Elwardy, Rania: Der Beitrag des Intellektuellen in Soyfers Werk zur Geburt der neuen Welt am Beispiel von Soyfers Werk "Vineta". Eine Studie zur Fӧrderung des Dialoges zwischen der ӧstlichen und der westlichen Kultur. Ein Symposium der Jura Soyfer Gesellschaft von 10 bis 14 September 2014 in Wien. In: Trans-Zeitschrift. Ein Reviewed Internetzeitschrift für Kulturwissenschaften (a reviewed Journal, which has been considered for inclusion in the ERIH "initial List: Literature"), Nr 7, INST Verlag, Wien 2015. Vgl.   http://www.inst.at/trans/7Nr/elwardy7.htm
الترجمه
الوردى، رانيا: إسهام المثقف فى أعمال صويفر الأدبيه فى ميلاد العالم الجديد بالتوضيح على العمل الأدبى "فينيتا". دراسه لدعم الحوار بين الثقافه الشرقيه والغربيه. ضمن أبحاث المؤتمر الدولى الذى عقدته الجمعيه العلميه للكاتب يورا صويفر فى الفتره من 11 الى 14 سبتمبر 2014 فى فيينا.  وتم نشر البحث فى إطار الاتفاقيه بين الجمعيه العلميه للكاتب وهيئه انست الدوليه فى ترانس. مجله للعلوم الثقافيه. مجله محكمه دوليا. العدد7، دار نشر انست، فيينا 2015. http://www.inst.at/trans/7Nr/elwardy7.htm
Elwardy, Rania: Die Revolution der Sprache – Ein Mittel zur Durchsetzung der Humanität am Beispiel der Lyrik von dem ӧsterreichischen Autor Jura Soyfer. Ein Symposium der Jura Soyfer Gesellschaft vom 7 bis 11 November 2013 in Wien unter dem Ehrenschutz vom Bundesministerium für Unterricht, Kunst und Kultur und von der Stadt Wien. In: Arlt, Herbert u. Krones, Hartmut (Hg.): Jura Soyfer – neue Ӧffentlichkeiten. Trans Studien, Bd. 5, INST Verlag, Wien.
الترجمه
الوردى، رانيا: "ثوره اللغه – وسيله لفرض الانسانيات موضحا على أشعار الكاتب النمساوى يورا صويفر." من ضمن  أبحاث المؤتمر الدولى الذى عقدته الجمعيه العلميه للكاتب النمساوى يورا صويفر بقيينا فى الفتره من 7 الى 11 نوفمبر 2013 تحت رعايه وزاره التربيه والفن والثقافه ومدينه فيينا. ونشرت أبحاث المؤتمر فى: هربرت أرلت وهارتموت كرونس (المحررون): يورا صويفر – علانيات جديده. دراسات ترانس. المجلد الخامس، دار نشر انست، فيينا.
وثائق المؤتمرhttp://www.soyfer.at/deutsch/Novemberpogrom/novemberprogrom_75-symposion.htm

[5] ها المقال يوضح بالوثائق والأدله الدور اﻟﺫى ﺒﺬلته وﺘﺒﺬله الجمعيه العلميه للكاتب بفيينا ﻤﻧﺬ 2011 وحتى الان
Elwardy, Rania: Die regionale und transregionale Öffentlichkeit von Soyfers Werk.  Ein Mittel zur Förderung des Friedensprozesses im Nahen Osten. In Trans-Zeitschrift, Ein Reviewed Internetzeitschrift für Kulturwissenschaften, Nummer 19,  INST Verlag, Wien 2016.
http://www.inst.at/trans/19/die-regionale-und-transregionale-oeffentlichkeit-von-soyfers-werk/
الترجمه
الوردى، رانيا: العلانيات الاقليميه والعابره للاقليميه للأعمال الأدبيه ليورا صويفر – وسيله لدعم السلام فى منطقه الشرق الأوسط. مصر والدول العربيه. مجله ترانس للعلوم الثقافيه، العدد 19، دار نشر انست، فيينا 2016
 http://www.inst.at/trans/19/die-regionale-und-transregionale-oeffentlichkeit-von-soyfers-werk/