غابة السرد في مقتل بائع الكتب بقلم يوسف عبود جويعد



      
                    
                       غابة السرد... في مقتل بائع الكتب
                                                                
                         د يوسف عبود جويعد

      سنكون في رحلة داخل غابة السرد كما يصف ذلك امبرتو ايكو في كتابه (تأملات في السرد الروائي) اذ انه يصف النص السردي بالغابة وما على المتلقي الا الدخول في تلك الغابة لاستكشافها. وستكون رحلتنا في الغابة السردية للروائي سعد محمد رحيم وروايته (مقتل بائع الكتب) وسوف يصطحبنا بطل الرواية الاعلامي ماجد البغدادي, وهو يُكلّف بمهمة اكتشاف حياة بائع الكتب محمود المرزوق, واسباب اغتياله , والظروف المحيطة بهذه الحادثة. وما أن نولج ارضها حتى تتبين لنا المعلومات السردية التي يمتلكها الروائي وقد ضمنها مسار الاحداث السردية داخل متن النص. فلم يكن محمود مرزوق شخصية مجردة خالية من الامتداد الفكري واتصالها بمسيرة حياة البلد انها تعكس واقع الحياة بكل ابعاده. فقد كانت مهمة الاعلامي ماجد البغدادي عسيرة , فلم تكن مهمته تحقيق صحفي عابر، بل انها مهمة اكبر, حيث مطلوب ان يعد كتاب عن حياته , وعليه ان يقوم بالبحث في كل الاماكن للحصول على ما يساعده في تدوين هذه الشخصية , وعليه الوصول الى كل الاشخاص الذين يستطيعون بقدر الامكان مساعدته في الالمام بتلك الحياة , وفي اشارة ذكية من قبل الروائي من اجل اعطاء المناخ السردي واقعية ومصداقية يكون هو ضيف خاطف داخل الاحداث السردية. وهذه الالتفاتة تهيأ للمتلقي ألتعمق بمتابعة الاحداث وابعاد ملامح شخصية الروائي داخل المبنى السردي  (اعترضَتْ .. اقنعني ..كان هناك سعد محمد رحيم ايضاً.. روائي لم اقرأ له أي عمل روائي .. قرأت بعض قصصه و مقالاته.. لا باس بلغته واسلوبه .. ذات مرة قلت له , هناك شيء ناقص دائماً في كتاباتك ، شيء لا اعرف ما هو .. لكني أشعر به .. قال يومها (لا توجد كتابة مثالية كاملة , نحن كائنات ينقصنا شيء ما دائماً , والكمال الذي نسعى اليه لن نبلغه ابداً).ص61



 وبهذا فأن مهمة سرد الاحداث أُوكلتْ للاعلامي ماجد البغدادي , وهنا يقع الروائي في اشكال غريب من نوعه , وهو كيف يتسنى لإعلامي صناعة رواية فنية محبوكة كتبت بحرفية عالية , وهو يعترف بشكل واضح بأنه ليست بصدد كتابة رواية (لست بصدد كتابة رواية .. الرجل الغامض الذي يتحمل تكلفة هذا المشروع لا يفكر بنص متخيل في قالب رواية , بل يريد سيرة حقيقية تعتمد وقائع واعترافات) ص117. وهكذا فسيكون التساؤل قائماً , كيف كتبت هذه الرواية بهذه الحرفية الفنية وسحر السرد , وهو السارد الوحيد المكلف بمهمة السرد، بل ان الامر يذهب الى ابعد من ذلك ، فهو الذي سوف يقوم باعداد كتاب عن حياة محمود المرزوق. أن رحلة الاعلامي ماجد البغدادي داخل هذه الغابة السردية فتحت الابواب مشرعة على مصراعيها , لنعرف الكثير عن هذا الرجل , فهو يساري ومتمرد على حياة البلد , وسافر الى بلدان كثيرة "روسيا " فرنسا" تشيكسلوفاكيا " وهو زير نساء له في كل بلد قصة حب وليالٍ حمراء وهو رسام ، يبيع لوحاته ليعيش باثمانها , وأيضا مثقف يقرأ كثيراً ، الا انه لم يكن مشهوراً, ولم تتحدث عنه الصحف , الا انه شخصية مثارة للجدل كثيرا. استخدم الروائي الاسلوب الحداثوي المتطور في صناعة تلك الرواية؛ كون الروائي متابع نهم لحركة تطور المسيرة السردية في البلد والعالم العربي والعالم الغربي ,ويظهر انعكاس هذا التأثير في البنية النصية , فقد ادخل عناصر التنوع الحديثة داخل متن النص , بل انه جعل تلك العناصر اداة مهمة في حركة مسير الاحداث , فقد كانت الرحلة الاستكشافية لمعرفة حياة محمود المرزوق باساليب حديثة منها:-
-         المراسلة عبر البريد الالكتروني لصديق محمود المرزوق , سامي الرفاعي وارسال الاخير صور تخص حياته ووصف الصور بطريقة واضحة تجعل المتلقي يلم بفضاء الصورة.
-         وكذلك ارسال اللوحات التي رسمها محمود المرزوق ووصفها بشكل يؤكد الناحية الفنية ومدى وعي وادراك الروائي لهذا الفن وفائدة تلك اللوحات في اثراء النص وتعميق ومعرفة شخصيته.
-         الرسائل المرسلة بين محمود المرزوق وجانيت والتفاصيل الدقيقة والمهمة التي شدت المبنى السردي, واعطت شحنة كبيرة لشد المتلقي الى الفضاء السردي.
-         المظروف الذي يضم رسالة مهمة من صديق محمود المرزوق , اثير العراقي وفية تفاصيل مهمة , بل انها اسرار احدثت التبئير المطلوب في متن النص, وشمل ذلك بؤرة الشخصية, وبؤرة الاحداث السردية , وبؤرة الثيمة.
-         دفتر المذكرات الخاص بمحمود المرزوق الذي حصل عليه الاعلامي ماجد البغدادي بعد اتصال هاتفي مفاجأ من عاشقة المرزوق رباب والذي اطلق عليها هو هذا الاسم وهو ليس اسمها الحقيقي, وهي تعتبر واحدة من الشخصيات المهمة بل انها بمثابة كاتمة اسراره,وكان ذلك بمثابة المفاجأة التي احدثت تغيير في الحس التصاعدي لمسيرة الاحداث ودفعها نحو حبكتها وتأزمها وذروتها.
أن هذا التنوع في عملية صناعة الرواية ,أخرجها من رتابتها الى حيث الحداثة والتطور الواعي. كما انها تمتاز بلغة مميزة تنسجم والسياق الفني لها , وبعد ان يتمكن الاعلامي ماجد البغدادي من جمع معلومات كبيرة وواسعة عن حياة محمود المرزوق ، والتي لم تقتصر على حياته داخل البلد فقط , بل امتدت لتشمل البلدان التي سافر اليها وايضا علاقاته العاطفية , وأخيراً يتم القبض على الجاني ويعترف بأن مقتل بائع الكتب كان بالخطأ ، أن رواية (مقتل بائع الكتب) للروائي سعد محمد رحيم تضعنا في حالة الوعي المحفز من اجل معرفة أشياء ذهنية تحرك مخيلة المتلقي للمساهمة في معرفة  ما وراء النص!