ما نحتاجه اليوم من أدب تحليلي بقلم د أنور غني الموسوي






ما نحتاجه اليوم من أدب تحليلي
د أنور غني الموسوي 



الأدب و بشكل عام يمكن تقسيمه الى أدب تعبيري و أدب تحليلي، و الأدب التعبيري عادة ما يسمى بـ ( النص الابداعي) بينما الأدب التحليلي يسمى بـ ( النقد)، و لكن من الواضح الخلل الكبير في التسميات الاخيرة لانّ النص التحليلي يشتمل على ابداع ايضا كما ان النقد و الانتقاد أخذ يختفي من كتابات الادب التحليلي المعاصر و خصوصا البحثي و العلمي منها.
و على كل حال الأدب التحليلي ( النقد) هو فعالية أدبية وظيفية، يجب ان تؤدي وظيفتها على اكمل وجه، و لأجل ذلك لا بد ان تراعي المرحة و صفاتها، و من الخطأ جدا اعتماد اليات غير مناسبة و غير مواكبة.
اننا نلاحظ ان الكتابة الأدبية التعبيرية ( الابداعية) في الخمسين سنة الاخيرة قد خطت خطوات استثنائية و قفزت قفزات كبيرة ما عادت الاليات المعهود من التحليل الأدبي قادرة على مواكبة هذا التطور الابداعي، و اخص بالذكرة فكرة اللغة و فكرة الاجناس الادبية.
من هنا لا بد للكتابة التحليلية ( النقد) ان تلتفت الى متطلبات العصر و المرحلة و المميزات الجوهرية و الخاصة بالأدب التعبيري ( الابداعي) المعاصر لكي يؤدي التحليل وظيفته في بيان فكرة الادب و تفسير الظاهرة الأدبية وجوانبها الجمالية و الانسانية. و يمكن الاشارة الى ثلاثة امور ربما حريا بالتحليل الأدبي ( النقد) ملاحظتها و اتباع ما هو مناسب من منهج تحليلي لمواكبتها:
الامر الاول: اننا نلاحظ ان الكتابة التعبيرية (الابداعية) في العقود الاخيرة بدأت تتحرر من فكرة ( الاجناس الأدبية) و صار واقعا ظهور كتابات عابرة للاجناس، لذلك على التحليل الادبي ( النقد) ان يعتمد على آليات تستوعب الاجناس الادبية آنيا وهذا ما يمكن ان نسميه (التحليل الادبي العابر للاجناس او النقد العابر للاجناس).
ثانيا: من الواضح ان الاحداث الكبيرة التي هزت المجتمعات البشرية في العقود الاخيرة و تقدم الخدمة الفردية الى الواجهة و الاهتمام بالمعاناة و التركيز على الازمات جعلت الشعور بانسانية الادب و اجتماعيته يقوى و يبرز، حتى انك تجد الرسالية الاجتماعية صارت ميزة ظاهرة للنص التعبيري ( الابداعي ) المعاصر، وهذا الامر يتطلب من التحليل الأدبي امرين الاول الشعبية بان تقترب الكتابة النقدية من الناس و من وعيهم و اهتمامهم و الظهور بشكل واضح و بسيط، و ثانيا ابراز ملامح الرسالة الأدبية و الاهتمام بها.
ثالثا:  لا يمكن و باي شكل من الاشكال التقليل من موقع الأدب في نفوس الناس و الوعي الانساني بشكل عام، كما لا يمكن انكار تأثيره على الثقافة و الفكر و استقلاله و حريته كنتاج انساني، لذلك لا بد من التخلي عن مناهج القوالب الجاهرة و التطبيقات التعسفية التي تُفرض على النص الابداعي و بدلا من ذلك على التحليل الادبي تقديم فهم اكثر التصاقا بحقيقة الادب و اعتبار الادب ظاهرة طبيعية و انسانية، و معاملتها كحال اية ظاهرة طبيعية، و تناولها بشكل علمي و بحثي و ليس فقط محاولة اضاءة و اشهار كما يحصل احيانا، بل لا بد من الالتفات الى اهمية المعارف التراكمية التي تنتج عن التحليل الادبي و الذي يضيف الى نظرية الادب منظومة معرفية تساهم كثيرا في تطوير فكرتنا عن الادب، و هذا التحليل ( النقد) المنطلق من النص الابداعي و الملاحق له و المتخلي عن كل قالب نظري جاهر هو ما يمكن ان نصفه بـ ( التحليل الأدبي المنفتح و المرن او النقد المنفتح).